كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 2)

قَوْلُهُ (وَعَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا) شَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا رَأَى غَيْرَ الْحَسَنِ. الثَّانِيَةُ: إذَا رَأَى حَسَنًا. الْأُولَى صَرِيحَةٌ فِي كَلَامِهِ، وَالثَّانِيَةُ: مَفْهُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ غَيْرِ الْحَسَنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَعَلَى الْغَاسِلِ " لِأَنَّ " عَلَى " ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ إظْهَارُ الْحَسَنِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُ الْغَاسِلَ سِتْرُ الشَّرِّ، لَا إظْهَارُ الْخَيْرِ فِي الْأَشْهَرِ فِيهِمَا نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا يُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَالتَّحَدُّثُ بِهِ حَرَامٌ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ سَتْرُ مَا رَآهُ مِنْ قَبِيحٍ، بَلْ يُسْتَحَبُّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ إظْهَارُ الْحَسَنِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِبِدْعَةٍ أَوْ قِلَّةِ دِينٍ أَوْ فُجُورٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ بِإِظْهَارِ الشَّرِّ عَنْهُ، وَسَتْرُ الْخَيْرِ عَنْهُ، لِتُجْتَنَبَ طَرِيقَتُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْكَافِي، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ عِنْدِي بِإِظْهَارِ الشَّرِّ عَنْهُ لِتُحْذَرَ طَرِيقُهُ. انْتَهَى. لَكِنْ هَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ أَوْ يُبَاحُ؟ قَالَ فِي النُّكَتِ: فِيهِ خِلَافٌ، قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَيَجِبُ كَفَنُ الْمَيِّتِ فِي مَالِهِ، مُقَدَّمًا عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارُوهُ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الرَّهْنِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَنَحْوِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ.

الصفحة 506