كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 2)

وَهَذِهِ قَدْ يُعَايَى بِهَا فَيُقَالُ: أَيْنَ لَنَا مَوْضِعٌ تَصِحُّ فِيهِ الْهَدِيَّةُ، مَعَ جَهَالَةِ الْمُهْدَى بِهَا؟ ذَكَرَهَا فِي النُّكَتِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ كَرَاهَةُ إيثَارِ الْإِنْسَانِ بِالْمَكَانِ الْفَاضِلِ، وَهُوَ إيثَارٌ بِفَضِيلَةٍ فَيُحْتَاجُ إلَى تَفْرِقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إهْدَاءِ الْقُرَبِ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا) الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ، وَالْوَاجِبَ الَّذِي تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَالْعِتْقَ، وَحَجَّ التَّطَوُّعِ فَإِذَا فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَكَذَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ الْمَجْدُ: يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفُنُونِ: يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ، حَتَّى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَلَمْ يَرَهُ لِمَنْ لَهُ ثَوَابٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَأَجْرِ الْعَامِلِ، كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَلِّمِ الْخَيْرِ، بِخِلَافِ الْوَالِدِ فَإِنَّ لَهُ أَجْرًا كَأَجْرِ الْوَلَدِ.
الثَّانِيَةُ: الْحَيُّ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ كَالْمَيِّتِ فِي انْتِفَاعِهِ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ كَذَا الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا. قَالَ الْقَاضِي: لَا نَعْرِفُ رِوَايَةً بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَصَحُّ قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ الْحَيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي حَجِّ النَّفْلِ عَنْ الْحَيِّ لَا يَنْفَعُهُ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ: الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا لَا تَصِلُ إلَى الْحَيِّ.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلَحَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ) بِلَا نِزَاعٍ، وَزَادَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا قَصَدَ أَهْلَ الْمَيِّتِ فَأَمَّا لِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ: فَيُكْرَهُ لِلْمُسَاعَدَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ. انْتَهَى

الصفحة 560