كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

ونحن دائمًا نذكر هذا لأَنَّ الله يُنَبِّهُنَا عليه، وينكرُ علينا أن نغفلَ عنه؛ لأَنَّ اللَّهَ يقولُ في السورةِ الكريمةِ- سورةِ الزمرِ: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} ثم قال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} ثم قال: {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)} [الزمر: آية 6]، أينَ تُصْرَفُونَ وتروحُ عقولُكم عن فِعْلِ خالقِكم فيكم؟ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ عَمَّا يفعلُ اللَّهُ (جل وعلا) فيكم؟ هذه غرائبُ صُنْعِ رَبِّنَا وعجائبُه، حتى إنه من شدةِ لطفهِ وحكمتِه: أن ما يحتاجُ الِإنسانُ إلى تقصيرِه دائمًا، كشعرِه وأظفارِه: نَزَعَ منه روحَ الحياةِ، إِذْ لو جعلَ الحياةَ في الشعرِ والظفرِ لَمْ يَحْلِقِ الإِنْسَانُ، ولم يُقَصِّرْ، ولم يُقَلِّمْ أظفارَه إلا وهو مُنَوَّمٌ في صحية بعمليةٍ. هذا من غرائبِ صُنعِه وعجائبِه (جل وعلا) ولطفِه بخلقِه؛ ولذا نَبَّهَنَا على هذا حيث قال: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} كما قال جل وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: الآيتان 20، 21] وقال هنا: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} فلكم بعدَ إنشاءِ تلك النفسِ، وإنشاءِ زَوْجِهَا منها، لكم بعدَ ذلك {فَمُسْتَقَرٌّ} في الأرحامِ، تُنْقَلُونَ فيها من طَوْرِ النطفةِ إلى طَورِ العَلَقَةِ، وَمِنْ طَورِ العَلَقَةِ إلى طَوْرِ المُضْغَةِ إلى آخِرِ الأطوارِ.
{وَمُسْتَوْدَعٌ}: نُطَفًا في أصلابِ الآباءِ. هذا قولُ أكثرِ المفسرين.
وبعضُ العلماءِ عَكَسَ، قال: الاستيداعُ في بطنِ الأمهاتِ، والاستقرارُ في أصلابِ الرجالِ.
وبعضُ العلماءِ يقولُ: مُسْتَقَرٌّ على ظَهْرِ الأرضِ، ومُسْتَودَعٌ في

الصفحة 12