كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلاَ يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم: الآيات 66 - 68]، وهذا كثيرٌ. وهذا البرهانُ القطعيُّ على البعثِ أشارَ له بقولِه هنا: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْشَأَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام: آية 98].
البرهانُ الثاني: خلقُه السماواتِ، وَتَزْيِينُهَا بالنجومِ، وخلقُه الأرضَ، وأشار له هنا بقولِه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا} [الأنعام: آية 97]، والنجومُ زُيِّنَتْ بها السماءُ. وَمَنْ خَلَقَ هذا العالمَ العلويَّ والسفليَّ فهو قادرٌ على بعثِ الإنسانِ الصغيرِ المسكينِ؛ لأَنَّ مَنْ خلقَ الأكبرَ الأعظمَ فهو قادرٌ على خلقِ الأصغرِ من بابِ أَوْلَى؛ ولأَجْلِ هذا كَثُرَ في القرآنِ العظيمِ الاستدلالُ على البعثِ بإيجادِ السماواتِ والأرضِ المشارِ لها بإيجادِ النجومِ والاهتداءِ بها في العالَم العلويِّ، كقولِه تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر: آية 57]، أي: وَمَنْ قَدَرَ على خلقِ الأكبرِ فهو قَادِرٌ على خلقِ الناسِ الذين هم أَصْغَرُ. وكقولِه تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى} [الأحقاف: آية 33]، وكقولِه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [الإسراء: آية 99]، وكقولِه جل وعلا: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)} [النازعات: الآيات 27 - 32]، والجوابُ: السماءُ أشدُّ خَلْقًا مِنَّا، أي: فَمَنْ قَدَرَ على خلقِ الأَشَدِّ فهو قادرٌ على خلقِ الأضعفِ الأصغرِ. والآياتُ في مثلِ هذا كثيرةٌ.
البرهانُ الثالثُ: إحياءُ الأرضِ بعدَ موتِها، المشارُ إليه بقولِه

الصفحة 16