كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

هنا: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: آية 99]، لأَنَّ مَنْ يُحْيِي الأرضَ، ويُخرجُ النباتَ بعد الانعدامِ قَادِرٌ - بِلاَ شَكٍّ - على أن يُحْيِيَ الأنفسَ الإنسانيةَ بعدَ العدمِ؛ لأَنَّ الكلَّ من بابٍ واحدٍ، كُلُّهُ جرمٌ خَلَقَهُ اللَّهُ أولاً وانقرضَ وَانْمَحَى. وقد عَايَنَّا أنه يُعيدُ النباتاتِ، فتجدُ الأرضَ بِحُلِيِّهَا وَحُلَلِهَا من أنواعِ النباتِ، ثم يَيْبَسُ، وَتَذْرُوهُ الريحُ، ويصيرُ هَشِيمًا، ثم إن الله يُوجِدُ في الأرضِ شَيْئًا كثيرًا بعد فنائِه. فَمَنْ أَحْيَا الأرضَ وأنبتَ النباتَ بعدَ أَنِ انْعَدَمَ: فلا شَكَّ أنه قادرٌ على خلقِ الإنسانِ، وإنباتِ الآدميين بعدَ أن أَكَلَتْهُمُ الأرضُ.
والآياتُ الدالةُ على هذا البرهانِ كثيرةٌ، كقولِه تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [فصلت: آية 39]، وكقولِه جل وعلا: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} [الأعراف: آية 57]، أي: فَإِخْرَاجُنَا للنباتِ بعدَ الانعدامِ كذلك إِخْرَاجُنَا لِلْمَوْتَى بعدَ أن أَكَلَتْهُمُ الأرضُ. وكقولِه جل وعلا: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)} [الروم: آية 50] وكقولِه تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)} [الروم: الآيات 17 - 19]، أي: مِنْ قبورِكم أحياءً بعد الموتِ، وكقولِه تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ

الصفحة 17