كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)} [ق: الآيات 9 - 11] أي: كخروجِ النباتِ الذي تُشَاهِدُونَ: {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} أي: خروجُكم من قبورِكم أحياءً بعدَ الموتِ.
والآياتُ الدالةُ على هذا كثيرةٌ جِدًّا كما قال جل وعلا: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى} [الأعراف: آية 57]، كذلك الإخراجُ نُخْرِجُ الْمَوْتَى؛ وَلِذَا قال (جل وعلا) هنا: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الأنعام: آية 99]، الله (جل وعلا) يُنْزِلُ الماءَ من السماءِ؛ لأَنَّ إنزالَ الماءِ من السماءِ فيه غرائبُ وعجائبُ، يجبُ على الإنسانِ تَأَمُّلُهَا؛ لأَنَّ اللَّهَ قال: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)} [عبس: آية 24]، وقوله: {فَلْيَنظُرِ} صيغةُ أمرٍ تَدُلُّ على الوجوبِ، فإذا لم يَنْظُرِ الإنسانُ إلى طعامِه كان مُخَالِفًا للأمرِ السماويِّ من خالقِ السماواتِ والأرضِ. وما يُدْرِيهِ أن اللَّهَ يقولُ له كما قال لإبليسَ: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: آية 12]، ما مَنَعَكَ ألا تنظرَ إلى طعامِك إِذْ أَمَرْتُكَ؟
وهذا النظرُ المأمورُ به إلى الطعامِ كأن اللَّهَ يقولُ لكَ: انْظُرْ يا عَبْدِي لتعلمَ عَظَمَتِي وَقُدْرَتِي، وتعرفَ قَدْرَكَ، وَضَعْفَكَ وَعَجْزَكَ، انْظُرْ إلى الخبزِ الذي تَأْكُلُهُ، وتُقِيمُ به أَوَدَكَ، مَنْ هو الذي خَلَقَ الماءَ الذي نَبَتَ بِسَبِبِهِ؟ أيقدرُ أحدٌ غير اللَّهِ أن يخلقَ هذا الجرمَ اللطيفَ الذي يُحْيِي به اللَّهُ الأجسامَ، وينبتُ به النباتاتِ؟ لاَ وَاللَّهِ لاَ يَقْدِرُ على خَلْقِهِ إِلاَّ اللَّهُ.
هَبْ أَنَّ الماءَ خُلِقَ، فَمَنْ يَقْدِرُ على إنزالِه، وَسَقْيِ الأرضِ به مع سعةِ رقعتِها؟ مَنْ يَقْدِرُ على إنزالِه على هذا الأسلوبِ الغريبِ

الصفحة 18