كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

ونحوِها (¬1)؛ لأن القمحَ والشعيرَ وما جَرَى مجراهما ينبتُ أولاً نبات البقولِ.
ثم قال: {نُّخْرِجُ مِنْهُ} أي: من ذلك الخَضِرِ النابتِ.
{حَبًّا مُّتَرَاكِبًا} يَعْلُو بعضُه بَعْضًا كالسنبلِ، فإنكَ تجدُ السنبلةَ يتراكبُ فيها الْحَبُّ ويعلو بعضُه بعضًا (¬2). وهذا معنى قولِه: {نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا}.
وقولُه: {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} قراءةُ الجمهورِ (¬3) {النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ} بالنصبِ؛ لأَنَّ الكسرةَ علامةٌ هنا للنصبِ.
وقولُه: {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} النخلُ: من جنسِ المُنْبَتِ بهذا الماءِ، إلا أن اللَّهَ قَطَعَهُ، وجاء به في صيغةِ جُمْلَةٍ مُسْتَأنَفَةٍ من مبتدأٍ وخبرٍ تَنْوِيهًا بشأنِ النخلِ (¬4) لأن النخلَ كُلَّهُ مَنَافِعُ.
وَجَرَتِ العادةُ في القرآنِ: أنه إِذَا ذَكَرَ الإنعامَ بالتمرِ ذَكَرَهُ باسمِ شجرتِه التي هي النخلةُ، وإذا ذَكَرَ الإنعامَ باسمِ العنبِ ذَكَرَهُ باسمِ الثمرةِ التي هي العنبُ. هذه قاعدةٌ مطردةٌ في القرآنِ.
قال بعضُ العلماءِ: إنما ذَكَرَ شجرةَ التمرِ التي هي النخلةُ؛ لأن النخلةَ كُلَّهَا منافعُ، فتمرها
بعضُ منافِعها (¬5). فلو عَبَّرَ بالتمرِ لأَهْمَلَ
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (11/ 573)، القرطبي (7/ 47)، الدر المصون (5/ 69).
(¬2) انظر: ابن جرير (11/ 573)، القرطبي (7/ 47)، البحر المحيط (4/ 189).
(¬3) والقراءة الأخرى: برفع «جناتٌ». انظر: المبسوط لابن مهران، ص199.
(¬4) انظر: البحر المحيط (4/ 189).
(¬5) انظر تفصيل ذلك في مفتاح دار السعادة (1/ 230).

الصفحة 23