كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

جناتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ. ولم يَقُلْ: وجناتٌ من أعنابٍ؛ لأن جناتِ الأعنابِ ليست من قِنْوَانِ النخيلِ. ولو رُفِعَ في قولِه: «وجناتٌ من أعنابٍ» لَصَارَ المعنَى: من النخلِ قِنْوَانٌ دانيةٌ، ومن النخل جناتٌ من أعنابٍ. وهذا لا يَصِحُّ. وعلى بعضِ القراءاتِ: {وَجَنَّاتٌ} بالرفعِ، قالوا: يُقَدَّرُ له محذوفٌ. أي: ولهم من نِعَمِهِ - جل وعلا - جَنَّاتٌ من أَعْنَابٍ (¬1).
(الجنات) جمع الجنةِ، والجنةُ في لغةِ العربِ: البستانُ (¬2). ومنه قولُه تعالى: {أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا} [القلم: آية 17]، هو بستانٌ معروفٌ وَقَعَتْ فيه هذه القضيةُ. أصلُ الجنةِ: البستانُ. والعربُ تُسَمِّي كُلَّ بستانٍ (جنةً). وهو معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قَوْلُ زُهَيْرٍ (¬3):
كَأَنَّ عَيْنَيَّ فِي غَرْبَيْ مُقتَّلَةٍ ... مِنَ النَّوَاضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقَا

يعني: بستان نخلٍ نخلُه طِوَالٌ؛ لأَنَّ السُّحُقَ: جمع سَحُوقٍ، وهو النخلةُ الطويلةُ. هذا أصلُ الجنة في لغةِ العربِ.
وهي في اصطلاحِ الشرعِ: دارُ الكرامةِ التي أَعَدَّ اللَّهُ لعبادِه المؤمنين، فيها ما لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: آية 17].
¬_________
(¬1) انظر توجيه قراءة الرفع في: حجة القراءات ص 264، القرطبي (7/ 49)، البحر المحيط (4/ 190)، الدر المصون (5/ 76).
(¬2) انظر: المفردات (مادة: جنَّ) ص 204.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (54) من سورة البقرة.

الصفحة 27