كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

حالتَه الأُولَى عندما نَبَتَ، وحالتَه الثانيةَ عندما طَابَ وَأَدْرَكَ تَعْرِفْ أن الذي نقلَه من ذلك الطَّورِ إلى هذا الطَّورِ أنه مَلِكٌ قَادِرٌ، هو رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، ومعبودُ كُلِّ شَيْءٍ جل وعلا.
ولذا قال: {انْظُرُوا إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)} [الأنعام: آية 99]، {إِنَّ فِي ذَلِكُمْ} الذي يَلْفِتُ ربكم نظرَكم إليه {لآيَاتٍ} أي: دلالاتٍ واضحاتٍ {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)} أي: يُصَدِّقُونَ، يعرفونَ بذلك من غرائبِ صنعِ رَبِّهِمْ وعجائبِه أنه هو الربُّ وحدَه، المعبودُ وحدَه جل وعلا.
وإنما خَصَّ المؤمنين في قولِه: {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)} لأَنَّ الكفرةَ لاَ يتعظونَ بالآياتِ، ولا يفهمونَ عَنِ اللَّهِ غرائبَه وعجائبَه؛ لأَنَّ اللَّهَ أَعْمَى بَصَائِرَهُمْ والعياذ بالله.
ومن عادةِ القرآنِ أنه غالبًا يخصُّ بالفعلِ الْمُنْتَفَعِ به، وإن كان الفعلُ في أصلِه عامًّا (¬1)، كقولِه: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)} [ق: آية 45] وهو مُذَكَّرٌ به الأَسْوَدُ والأَحْمَرُ، وكقولِه: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس: آية 11]، وهو مُنْذِرٌ الأَسْوَدَ والأَحْمَرَ، وكقولِه: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)} [النازعات: آية 45]، {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ} [فاطر: آية 18] وأمثالُ ذلك، مع أنه منذرٌ للجميعِ، كما قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان: آية 1].
هذه غرائبُ صنعِ اللَّهِ وعجائبُه يُبَيِّنُهَا لخلقِه (جل وعلا) ليعرفَهم بِرَبِّهِمْ (جل وعلا) بما يرونَ في هذا الكونِ من باهرِ صنعِه وعظيمِ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (51) من سورة الأنعام.

الصفحة 32