كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الراءِ (¬1). أما على قراءةِ عبدِ اللَّهِ ابنِ مسعودٍ: (وحرَّفوا له بنين وبنات) فهذه قراءةٌ شاذةٌ (¬2).
ومعنى هذه الآيةِ الكريمةِ: أن الله (جل وعلا) لَمَّا بَيَّنَ غرائبَ صنعِه وعجائبَه الدالةَ على أنه الربُّ وحدَه، المعبودُ وحدَه، كما في الآياتِ الماضيةِ، كقولِه: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الأنعام: آية 95]، وكقولِه: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام: آية 98]، وكقولِه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا} [الأنعام: آية 97] وقولِه: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا} [الأنعام: آية 99] إلى آخرِ الآياتِ، بين الله فيها كمالَ قدرتِه وغرائبَ صنعِه وعجائبَه الدالةَ على أنه الربُّ وحدَه، المعبودُ وحدَه، فقال في هذه الآيةِ كأنه يقول: مع ما أَبْدَيْتُ لِخَلْقِي من آياتي الدالةِ على عَظَمَتِي وَجَلاَلِي، وأني الربُّ المعبودُ،
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص 200.
(¬2) هذه القراءة إنما تُنسب لابن عمر، وابن عباس (رضي الله عنهما). كما في البحر المحيط (4/ 194)، والدر المصون (5/ 87)، وفي المحتسب (1/ 224): (عمر، وابن عباس). وابن عمر يُشدّد الراء، وخففها ابن عباس.
أما القراءة المنسوبة لابن مسعود (رضي الله عنه)، فهي في قوله: (وخلقهم) حيث قرأها بإسكان اللام (وخَلْقَهم). والظاهر أنه معطوف على الجن. أي: وجعلوا خلقهم الذي ينحتونه أصنامًا شركاء لله. انظر: المحتسب (1/ 224)، البحر المحيط (4/ 194)، الدر المصون (5/ 86)، وقد استشكل مؤلفه نسبة هذه القراءة لمصحف ابن مسعود، ومعلوم أن المصاحف آنذاك لم تكن مشكولة ولا منقوطة. فالله - تعالى - أعلم.

الصفحة 34