كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

والرسلُ (صلواتُ الله وسلامُه عليهم) - مع ما أَعْطَاهُمُ اللَّهُ من الفضلِ والمكانةِ والعلمِ - دَلَّتْ آياتٌ كثيرةٌ أنهم لا يعلمونَ إلا ما عَلَّمَهُمْ خالقُهم جل وعلا.
هذا سيدُ الخلقِ (صلواتُ الله وسلامُه عليه)، الذي فَضَّلَهُ اللَّهُ في الأرضِ والسماءِ على جميعِ الخلقِ - نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنكم تعرفونَ في قصةِ الإسراءِ والمعراجِ الثابتةِ بالأحاديثِ الصحيحةِ التي لا كلامَ فيها، أنه لَمَّا ارْتَفَعَ (صلواتُ الله وسلامُه [عليه]) (¬1) إلى السماءِ، واخترقَ السبعَ الطباقَ، بَلَغَ مَبْلَغًا لم يَبْلُغْهُ رسولٌ من الأنبياءِ، فظهرت مكانتُه على الجميعِ في العالمِ العلويِّ. وَلَمَّا نَزَلَ إلى الأرضِ (صلواتُ الله وسلامُه عليه) صَلَّى بهم، فكان هو الإمامَ الأعظمَ، بإشارةٍ من جبريلَ (صلواتُ اللَّهِ على الجميعِ) - قد رُمِيَتْ أَحَبُّ زوجاتِه إليه بأعظمِ فريةٍ، رَمَوْهَا بالفاحشةِ مع صفوانَ بنِ المعطلِ، وهو (صلواتُ الله وسلامُه عليه) يَغْدُو الْمَلَكُ ويروحُ عليه بالوحيِ، فَلَمَّا رَمَوْهَا كان (صلواتُ الله وسلامُه عليه) لا يَدْرِي أَحَقٌّ ما قالوا عنها أَمْ لاَ؟؟ حتى هَجَوْهَا، وكان يقولُ: «كَيْفَ تِيْكُمْ؟» قالت: فقدتُ من رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - العطفَ الذي كنتُ أَجِدُهُ منه إذا مَرِضْتُ. وكان يقولُ لها: «يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، وَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ». لا يدري عن الحقيقة حتى أخبرَه المحيطُ عِلْمُهُ بكلِّ شيءٍ - رَبُّ السماواتِ والأرضِ - وقال له: {أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)} [النور: آية 26] وَصَرَّحَ بأن المقالةَ التي قِيلَتْ عليهم إفكٌ وَزُورٌ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ
¬_________
(¬1) زيادة يقتضيها الكلام.

الصفحة 39