كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وهذا نَرَاهُ مُشَاهَدًا اليومَ، كُلُّ كُفْرٍ وإلحادٍ، وكل خساسةٍ في الخُلُقِ ارتكبوها، دخلوا معهم كُلَّ جُحْرٍ، حتى إنه وُجِدَ واحدٌ إفرنجيٌّ نَبَتَتْ قرحةٌ تحتَ أنفِه، فلم يَقْدِرْ على حلقِ شعراتِ الشاربِ، صاروا يتركون من ذلك شَيْئًا، دخولاً في ذلك الجحرِ، وَاتِّبَاعًا لتلك القرحةِ، فحلقوا لِحَاهُمْ، وتركوا دينَهم، ودخلوا مع الإفرنجِ في كُلِّ جُحْرٍ دَخَلُوهُ!! وهذا من غرائبِ معجزاتِه (¬1) (صلواتُ الله وسلامُه عليه)، حيث أَقْسَمَ على هذا، وَتَحَقَّقَ بعدَ عشراتِ القرونِ، والغيوبُ التي أخبر بها كثيرةٌ جِدًّا، كثيرٌ منها شَاهَدَهُ الناسُ، والباقي منها سيشاهدونه. وهذا معنى قولِه (جل وعلا): {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)} [الأنعام: آية 101].
ثم إن الله (جل وعلا) لَمَّا بَيَّنَ غرائبَ وعجائبَ صنعِه وكمالَ قدرتِه، وَبَيَّنَ لنا هذا في آياتٍ كثيرةٍ: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الأنعام: آية 95]، وَبَيَّنَ (جل وعلا) أنه الذي أَنْشَأَنَا وَخَلَقَنَا: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام: آية 98] وَبَيَّنَ أنه خلق لنا أرزاقَنا على ذلك الأسلوبِ الغريبِ العجيبِ {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا} [الأنعام: آية 99] وَبَيَّنَ أنه الواحدُ الذي لاَ مثيلَ له ولا نظيرَ، المتنزهُ عن الأولادِ والصاحباتِ، وأنه خالقُ كُلِّ شيءٍ، وأنه العليمُ بِكُلِّ شيءٍ، أشار لنا وقال: {ذَلِكُمُ} الذي سمعتُم صفاتِه وغرائبَ فعلِه وعجائبَه هو {اللَّهُ} خالقُ هذا الكونِ الذي يأمركم وينهاكم على لسانِ نَبِيِّهِ:
¬_________
(¬1) سيأتي عند تفسير الآية (89) من سورة الأعراف.

الصفحة 41