كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

المعنى عندهم: لو شاء الله أن لا نشرك ما أشركنا، فلما تَرَك بيننا وبين الشرك دلّ على رضاه به عنَّا! فادِّعَاؤُهُمْ أنَّ ذلك دال على الرضا هو محل الكَذِبِ، وهو الباطل الذي أرادوه بهذا الحق، وهو الذي يَنْصَبّ عليه التكذيب؛ ولذا قال لما قال: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ} قدمنا أن هذه من المعجزات؛ لأنه أخبر عن غيب أنه سيقع قبل أن يقع جازماً بذلك ثم وقع كما قال، فتبين أنه لو لم يكن عالماً أنه وحي من الله لما تجرأ أن يقول: إنه سيقع، خوفاً من أن لا يقع فيقولون: كذاب، فلما أخبر بأنه سيقع جازماً بذلك غير مُحجم، ووقع فعلاً دَلَّ ذلك على أنه نبي صحيح، وأن الله أوحى إليه أن هذا الأمر سيكون فكان، وبَيَّنَ أنه كان بالفِعْلِ في سورة النحل في قوله عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا} الآية [النحل: الآية 35] وقال في (الزخرف): {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم} [الزخرف: الآية 20] فبيّنَ أن ذلك الذي ذكر أنه سيقع أنه وقع بالفعل.
وحاصل الآيات أن الكفار استدلوا بأن كفرهم واقع بمشيئة الله على أنه راضٍ به منهم (¬1)، وهذا الاستدلال باطل، وكونه واقعاً بمشيئته حق، وكون ذلك يدل على رضاه به هو مَحَل الكفر، فالله لا يرضى الكفر، كما قال: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: الآية 7]، والله قد يريد بإرادته الكونية القدرية ما لا يرضى؛ لأنه لا يُرْضِيهِ إلا العمل الصالح، مع أنه خلق الخلق أزَلًا، وقدّر عليهم أعمالهم التي هم سيعملونها {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون: الآية 63] ثم يسّر كُلاًّ لما خلقه له، فَصَرَفَت قُدْرَتُهُ وإرادتُه أَهَلَ الجنة- صَرَفَت قُدَرَهُم وإراداتهم- إلى فعل
¬_________
(¬1) مضى قريباً.

الصفحة 418