كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الخير، طبقاً لما سبق به العلم الأزلي، وصَرَفَت إرادات وقُدر غيرهم إلى ما سبق به العلم الأزلي، فوجّهت قدرةُ الله وإرادتُه كلَّ مخلوق لما سبق له به العلم الأزلي، فأتاه طائعاً {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ} [الإنسان: الآية 30].
[20/ب] /ومن هنا يظهر سقوط استدلال المعتزلة بهذه الآية (¬1)؛ لأن هذه الآية عندهم هي محل خصب عظيم لدعواهم أن الإشراك ليس بمشيئة الله؛ لأنهم زعموا أن الكفار لما قالوا: {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} كذبهم الله في أن الشرك بمشيئته وقال: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا} ولم يتفطنوا؛ لأن المنفي في الحقيقة هو استلزام تلك المشيئة بالرضا، هذا هو المنفي حقّاً، وقد قدمنا حل هذه الشبهة مراراً، فالمعتزلة -قبحهم الله- أرادوا أن يُنَزِّهُوا الله عن شيء فقدحوا في ربوبيته (جل وعلا)، فوقعوا في أعظم مِمَّا فَرُّوا مِنْه، أرادوا أن يجعلوا القبائح؛ كالشرك، والردة، والزنا، والسرقة أنها ليست بمشيئة الله وأنها بمشيئة العبد، يزعمون أنهم ينزهون الله عن غير اللائق، فَقَدَحُوا في ربوبية الله، وجَعَلُوا خَلْقه وكونه يقع فيه شيء من غير مشيئته، فوقعوا في أعظم مما فرُّوا مِنْهُ بِأَضْعَاف.
والتحقيق الذي لا شك فيه: أنه لا يمكن أن يقع في العالم تَحْرِيكَة ولا تَسْكِينَةٌ، ولا خير ولا شر إلا بمشيئة الله (جل وعلا)، وادِّعَاء المعتزلة أن العبد يخلق أعمال نفسه بلا تأثير لِقُدْرَةِ اللهِ فيها لا يخفى أنه قدح في ربوبية الله؛ إذ لا شيء أعْظَم مِنْ أن يكون خالق الكون يقع في ملكه شيء ليس بمشيئته، هذا أعظم الكفر والقدح بالله
¬_________
(¬1) مضى قريباً عند تفسير الآية (106) من هذه السورة.

الصفحة 419