كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

{لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: آية 102]، لاَ معبودَ يُعْبَدُ بالحقِّ إلا هو وحدَه، وكلُّ معبودٍ من دونه - كالجنِّ الذي عَبَدَهَا أولئك الكفرةُ - هو وَعَابِدُوهُ في النارِ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} [الأنبياء: آية 98].
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: آية 102] (جل وعلا) لأنه (جل وعلا) خالقُ كُلِّ شيءٍ، فإذا نظرَ الإنسانُ في أصنافِ المخلوقاتِ بَهَرَ عقلَه قدرةُ اللَّهِ (جل وعلا)، فإذا نظرتُم إلينا معاشرَ الآدميين تجدونَ خالقَ السماواتِ والأرضِ أَوْدَعَ في الواحدِ مِنَّا من غرائبِ صنعِه وعجائبِه ما يُبْهِرُ العقولَ وَيُفَتِّتُ الكُبودَ.
مِنْ أظهرِ ذلك: أنه صَبَّنَا صَبَّةً واحدةً، فجعل الأنفَ هنا، والعينينَ هنا، والفمَ هنا، ولم يَتَّفِقْ مِنَّا اثْنَانِ، لا يمكنُ أن يتفقَ اثنانِ، حتى لا يُعْرَفَ [فرقٌ] (¬1) بينهما، ولو جاءت الآلافُ والملايينُ، مَضْرُوبًا في الآلافِ والملايين: لم يَضِقُ العلمُ أن يجعلَ لكلِّ واحدٍ صورةً وهيئةً مخالفةً لصورةِ الآخَرِ وهيئتِه، حتى إن الأصواتَ وآثارَ الأقدامِ وبصماتِ الأصابعِ في الأوراقِ، كُلُّ هذا لم يَشْتَبِهْ منه شيءٌ. وهذا من غرائبِ صنعِ هذا الخالقِ وعجائبِه جل وعلا.
وَأَبْدَعَ في كُلِّ واحدٍ منا، لو شُرِّحَ عضوٌ واحدٌ تَشْرِيحًا صحيحًا لَبَهَرَ العقولَ ما أودع اللَّهُ فينا من غرائبِ صنعِه وعجائبِه.
إذا نظرتَ في العينين تَجِدْ في العينين من غرائبِ صنعِ اللَّهِ
¬_________
(¬1) زيادة يقتضيها السياق.

الصفحة 42