كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

-عياذاً بالله- ففروا من شيء فَوَقَعُوا في أعظم مما فَرّوا مِنْهُ، والله (جل وعلا) يقدر الأشياء ويخلقها، وتضاف لمكتسبيها، فالسرقة والزنا لا تكون إلا بمشيئة الله، وكل شر لا يكون إلا بمشيئة الله {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} [الفلق: الآيتان 1، 2] لأن كل ذلك الشر إنما خَلَقَهُ الله، فالله (جل وعلا) خالق، والعبد كاسب وفاعل، فلا تُضَافُ السَّرِقَةُ إلى الله، فلا يجوز أن تقول في حقه: سارق -سبحانه جل وعلا عن ذلك علوّاً كبيراً! - وإنما السارق مَنْ أَوْجَدَ الله منه الفعل وقَدَّره عليه، فالله (جل وعلا) يُوَجِّهُ إرادات المخلوقين وقدرتهم إلى مَا سَبَقَ به علمه الأزلي مما هم صائرون إليه، فيَتَوَجَّهون إليه بمشيئة الله طائعين فيعملونه {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ} [الإنسان: الآية 30] وهذه المسألة قد سأل عنها الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما أنهم سألوه: هذا العمل الذي نعمل أنعمله لأمر مُؤْتَنَف، ونُحْدِث به سعادة لم تكن سابقة، أو شقاوة لم تكن سابقة؟ فأخبرهم بأن الأمر ليس بأُنف، وأنه مفروغ منه، وأن القَلَمَ جَرَى بما هو كائن، وأن السَّعِيدَ مَنْ كُتِبَ عِنْدَ الله سعيداً، والشقي من كُتب شقيّاً، فسألوه: لِمَ لا يَتَّكِلُونَ على الكتاب الذي كَتَبَهُ الله، ويتركون الأعمال، فمن كُتبت له الجنة فهو داخلها، ومن كتبت له النار فهو داخلها؟ فبين لهم - صلى الله عليه وسلم - أن كلاًّ مُيَسَّرٌ لما خُلق له، فالذين سبقت لهم السعادة يستعملهم الله بقدرته وإرادته في فعل الخَيْرات، ويوجه قدرتهم ومشيئتهم إلى الخير بقدرته وإرادته، والعكس بالعكس (¬1)
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ} [الإنسان: الآية 30].
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (39) من سورة الأنعام ..

الصفحة 420