كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وكان شيخه الجبائي كبيرَ المعتزلة؛ لأنه كان زوج أمه، والأشعري ربيب الجبائي، وكان يوماً معه يُقَرِّر أن الله يجب عليه فعل الأصلح، فقال الأشعري للجبائي: إذا كان يجب عليه فعل الأصلح فَلِمَ قَتَلَ الغلام صغيراً؟ ولِمَ لا تركه يكبر حتى يعمل كثيراً من عمل الخير فينال الدرجات العالية في الجنة؟
فقال له الجبائي: يقول له الله: قد سبق في علمي أني لو تركتك تكبر كنت كافراً فمت على الكفر، فكان الأصلح لك أن قتلتك صغيراً.
فقال له الأشعري: إذاً يحتج عليه الكافر الكبير الذي مات، ويقول له: يا رب لمّا سبق علمك أن البعيد سيموت كافراً لِمَ لا تفعل له الأصلح فتقتله صغيراً قبل أن يكتب عليه، كما فعلت الأصلح لذلك الصغير؟ فانقطع الجبائي، وقال للأشعري: أبِكَ جُنون؟ قال: لا، ولكن وَقَف حمار الشيخ في العَقَبَة. ثم ترك مذهب المعتزلة، ورجع إلى مذهب أهل السنة (¬1)، وهذا من مذاهب المعتزلة الباطلة.
وقد قَدَّمْنَا مراراً، وكرَّرْنَا بعض المناظرات الدالة على إدحاض مذهبهم، كمناظرات الإسفراييني لعبد الجبار، كررناها مراراً (¬2)؛ لأن العاقل إن نظر فيها يعلم أن أبا إسحاق الإسفراييني اهْتَدَى إلى مذهب أهل الحق فأفْحَم به مذهب أهل الباطل على لسان عبد الجبار مِنْ كِبَارِ المعتزلة المشهورين، جاء يَتَقَرَّب بهذا المذهب كما يقوله الزمخشري هنا: إن الله قال: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} يعني: أن شركهم بمشيئته، وأنه كذَّبَهُمْ في هذا وقال:
¬_________
(¬1) انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 89).
(¬2) مضى قريباً.

الصفحة 422