كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

{كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم} وقال- ولا سيما القراءة الأخرى (¬1) -: (كذلك كَذب الذين من قبلهم) فجعل أن مَنْ قال: إن الشرك بمشيئة الله أنه كاذب عند الله، وأن الله نص على كذبه!! وهذا تحريف في آيات الله، وقَدْح في ربوبية خالق السماوات والأرض سبحانه أن يقع في ملكه شيء دون مشيئته (جل وعلا)؛ لأن من يقع في ملكه شيء بغير مشيئته صار ليس برب، ناقص القدرة الكاملة، والله يَتَعَالى عن ذلك علوّاً كبيراً، فلما جاء عبد الجبار يَتَقَرَّب بهذا المذهب في مجلس الإسفراييني أبي إسحاق الشافعي المعروف، فقال عبد الجبار: سبحان مَنْ تَنَزَّهَ عَنِ الفحشاء! يعني أن السرقة والزنا والشرك ليست بمشيئته.
فقال أبو إسحاق: كلمة حق أُرِيدَ بها باطل. ثم قال: سُبْحَان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء!
فقال عبد الجبار: «أتراه يشاؤه ويعاقبني أنا عليه؟».
فقال له أبو إسحاق: «أتراك تفعله جبراً عليه؟ أأنت الرب وهو العبد؟».
فقال عبد الجبار: «أرأيْتَ إنْ دَعَانِي إلى الهدى وقضى عليَّ بالرَّدَى، بَيَّن لي الخير ودعاني إليه، وسد الباب دوني، أتراه أحسن إليَّ أم أساء؟!».
قال: أرى أن الذي منعك إن كان حقّاً واجباً لك عليه، فقد ظلمك وقد أساء، وإن كان مُلْكه المحض، فإن منعك فَعَدْل وإن منَحَكَ فَفَضْلٌ.
فبُهِتَ عبد الجبار، وقال الحاضرون: والله ما لهذا جواب!
¬_________
(¬1) مضى قريباً.

الصفحة 423