كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

كان كل شيء من خير أو شر بإرادته الكونية القدرية، فالله (جل وعلا) يعم جميع الخلق بدعوتهم إلى الدين، ثم يخصص من شاء للتَّوْفِيق، فالدعوة إلى الخير عامة، والتوفيق خاص {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: الآية 25]. وهذا معنى قوله: {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} يعني: ولا أشرك آباؤنا من قبْلِنَا، والذي سوَّغ العطف هنا على الفاعل الذي هو ضمير الرفع المتصل: الفصل بلفظة (لا) وكل فاصل مسوِّغ، وهو مذهب الكوفيين، وهو الصواب، خلافاً لمذهب البصريين القائلين: لا بد من ضمير منفصل مُسَوِّغ للعطف، كما في آية النحل (¬1). وهذا معنى قوله: {مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} أي: ولا أشرك آباؤنا من قبلنا، ولا حرمنا من شيء؛ أي: لا مِنْ بَحِيرَة، ولا سائبة، ولا وصيلة، ولا حام، ولا من أنعام، ولا من حرث، إلى غير ذلك.
وقوله: {مِن شَيْءٍ} أصله مفعول (حرّمنا) وقد تقرر في علم الأصول أن النكرة في سياق النفي إذا زيدت قبلها لفظة (مِنْ) نقلتها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم (¬2)، وذكره الشيخ سيبويه في كتابه.
والنكرة في سياق النفي قد تُزاد قبلها لفظة (مِنْ) فتنقلها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم، ويكون ذلك قياساً مطرداً في ثلاثة مواضع لا رابع لها (¬3):
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (148) من هذه السورة.
(¬2) مضى عد تفسير الآية (38) من هذه السورة.
(¬3) السابق.

الصفحة 425