كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

عنه في حال عدمه اسم الشيء، والمعتزلة يزعمون أن الشيء يطلق على المعدوم، وبعضهم يقول: المعدوم قسمان:
معدوم ممكن، كإيمان أبي لهب، فإن إيمان أبي لهب معدوم قطعاً؛ لأن الله يقول: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: الآية 3] مع أن هذا المعدوم يمكن عقلاً؛ لأن إيمانه يجوز عقلاً؛ إذ لو كان مستحيلاً عَقْلاً لكان تكليفه بالإيمان تكليفاً بالمحال، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
الثاني: أن يكون الشيء المعدوم مستحيلاً عقلاً، كشريك الله جل وعلا سبحانه عن ذلك وتعالى علوّاً كبيراً.
وبعضهم يقول: إن الشيء يطلق على المعدوم مطلقاً.
وبعضهم [يقول] (¬1): يُطلق على المعدوم الممكن دون المعدوم المستحيل. واستدلوا بأدلة لا تنهض، منها: قوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ} [يس: الآية 82] قالوا: فسمَّاهُ (شيئاً) قبل أن يقول له: (كن)، وهو إذ ذاك معدوم، فدل على تسمية المعدوم (شيئاً). وهذا يناقضه قوله: {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم: الآية 9] وإنما أطلق عليه اسم الشيء نظراً إلى عادة العرب أنهم ينزلون الواقع المتحقق وقوعه كالواقع بالفعل، كما قال: {أَتَى أَمْرُ اللهِ} [النحل: الآية 1] ذكر أنه أتى فعلاً وهو لم يأت بالفعل؛ لأن تحقق وقوعه كوقوعه بالفعل، وهذا كثير في القرآن -فقد ذكر الله منه في سورة الزمر- جدّاً: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} معناه: سيكون ذلك يوم القيامة {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} أي: يوم القيامة {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء
¬_________
(¬1) زيادة يقتضيها السياق.

الصفحة 427