كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ} {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ} {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [الزمر: الآيات 69 - 73] كل هذه الأفعال الماضية إنما هي بمعنى المستقبلات التي ستقع يوم القيامة؛ لأن تَحَقُّقَ وقوعها نزّلها منزلة الواقع فعلاً، كما هو معروف في فن المعاني (¬1). وهذا معنى قوله: {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ}.
ثم قال الله: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم} كما كذب هؤلاء الكفرة الفجرة رسولي محمداً - صلى الله عليه وسلم - في أن الله واحد لا شريك له، وأنه لا حرام إلا ما حرمه الله، كما كذبوه وادّعوا أن وقوع ذلك بمشيئة الله دليل على رضاه، كما كذبوه بهذه الشُّبَه الكافرة الملحدة {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم} الرسل، {كَذَلِكَ} التكذيب، ولم يزالوا مكذبين {حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا} [الأنعام: الآية 148] أي: ذاقوا أليم عقابنا وشديد نكالنا، وقد يكون ذلك بهم في الدنيا كما وقع لقوم نوح حيث استأصلهم الطوفان بالغرق، ووقع لقوم هود حين أرسل عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، قال الله فيهم: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى} أي: قتلى أمواتاً {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8)} [الحاقة: الآيتان 7، 8] وكما فعلنا بقوم صالح حيث أُرسلت عليهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وكما أحرق قوم شعيب بالظلة، وكما رفع الأرض بقوم لوط وجعل عاليها سافلها، وكما أغْرَق فرعون وقومه في البحر، هذا من نكال العذاب الدنيوي، ويتلوه العذاب
¬_________
(¬1) انظر: تأويل مشكل القرآن 295، الصاحبي 364، فقه اللغة للثعالبي 301، البرهان للزركشي (3/ 372)، المزهر (1/ 335)، قواعد التفسير (1/ 292).

الصفحة 428