كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الأخروي -والعياذ بالله- كما قال تعالى في التنكيل بالمشركين يوم بدر مع اتصال العذاب الأخروي على ما ذكره بعض أهل العلم: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [السجدة: الآية 21].
ومعنى: {حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا} لم يزالوا مُصِرِّين على تكذيب الرسل معاندين {حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا} أي: ذاقوا طَعْمَ ألم العذاب والنّكال الكائن مما في الدنيا، المتصل بعذاب الآخرة -والعياذ بالله- قل لهم يا نبي الله: {هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ} دعواكم أن كل ما وقع بمشيئة الله هو راضٍ به حسن عنده؟ هل عندكم من علم بهذا أن الكفر الواقع بمشيئته أنه لما كان بمشيئته كان برضاه، وكان حسناً عنده؟ هل عندكم على هذه الدعوى الفاجرة من علم فتخرجوه لنا؟ أي: تبرزوه لنا، الفعل هنا منصوب، وأصله: (تخرجونه) إلا أن المقرر في علم النحو أن فَاءَ السَّبَبِيَّة إذا [جاءت] بعد طلب أو نفي محضين [فإن الفعل بعدها] ينصب بـ (أن) مضمرة (¬1)، والطلب هنا محض؛ لأنه استفهام {هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام: الآية 148]، ولو كان استفهام التقريع يقتضي النفي، فالنفي أيضاً مَحْض، فعلى كل حال فهو منصوب، كقوله: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا} [الأعراف: الآية 53].
هَل مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فأَشْرَبَهَا ... أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إلى نَصْر بْنِ حَجَّاجِ (¬2)

وما جرى مجرى ذلك.
¬_________
(¬1) انظر: التوضيح والتكميل (12/ 296)، مضى عند تفسير الآية (52) من هذه السورة.
تنبيه: العبارة في الأصل هكذا: ((أن فاء السببية إذا جاء بعد طلب أو نفي محضين فإنه ينصب ... ))
(¬2) البيت لفريعة بنت همَّام، وهو في اللسان (مادة: مني) (3/ 539).

الصفحة 429