كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

{وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} معناه: وما أنتم إلا تكذبون.
الخرص هنا معناه: الكذب، ومنه: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)} [الذاريات: الآية 10] لُعن الكذابون، وأصل اشتقاقه من الخَرْص الذي هو الحزر؛ لأن الكذاب لا يَتَحَرَّى حَتَّى يَتَحَقَّق وإنما يقول حَزراً وتخمينًا، ومن هُنَا أُطلق الكذب على الخرص (¬1)، وقوله: {وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} معناه: وما أنتم إلا تكذبون، كَذَبَة فَجَرَة؛ حيث زعمتم أن شرككم وإن كان واقعاً بمشيئة الله أن الله راضٍ به، وأنه حسنٌ عنده، كلا! لا دليل ولا علم بذلك، وإنما هو افتراء وكذب وتخرّص على الله، وهذا معنى قوله: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} أي: والظنّ لا يغني من الحق شيئاً، كما قال تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [يونس: الآية 36] وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ» (¬2)، وهذا في الظن فيما يُطلب فيه اليقين، كعبادة الله (جل وعلا) وحده، فإن هذه أمور يقينية لا تختلجها ظنون.
وتمسك ابن حزم بظاهر هذه الآيات أن كل اجتهاد باطل، وأن كل اجتهاد ظن، وأن الظن لا يغني من الحق شيئاً (¬3)، فهذا ليس على بابه؛ لأن الأمور العملية إنما يُعمل فيها بالظنون، وقد يكون الظاهر قطعيّاً لا شك فيه وباطن الأمر مظنون لا ندري أحق هو أم كذب؟ وقد دلَّ القرآن في بعض المواضع أن الظاهر يكون قطعيّاً لا شك فيه، والباطن باطن (¬4) لا شك فيه، وهذا الشرع الكريم لا يأمر في نفس الواقع
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (116) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (79) من سورة البقرة.
(¬3) انظر: المحلى (1/ 68، 71).
(¬4) يحتمل أن تكون: «باطل».

الصفحة 431