كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وقَدْ بَيَّنَ الله في سورة النور أن هذا التشريع الذي يُراعَى فِيهِ الظَّاهِر -ولو كان الظاهر باطلاً- أن الله إنما قَبِلَه رَأْفَةً بِهَذِهِ الأمة، وتسهيلاً عليها، أوضح ذلك في آية اللعان؛ لأنه لمَا جاء هلال بن أُمية (¬1)، وعويمر العجلاني (¬2)، ورمى كلّ منهما زوجته بالزنا لرجل، وقال هلال: رَأَتْ عَيْنِي وسمعت أذُنِي، وأنزل الله آية اللعان، قام الرجل فحلف أَيْمَانَه، وخمَّس باللعنة، يقول في الأَيْمَان الأربعة: أشهد بالله إني لصادق فيما رميتُهَا به من الزنا، ثم خمَّس في الخامسة باللَّعْنَةِ، لعنة الله عليه إن كان كاذباً فيما رماها به من الزنا، ثم قامت المرأة فحلفت أَيْمَانَها، وخمَّست بغضب. تقول: أشهد بالله إنه لكاذب عليَّ فيما رماني به من الزنا، ثم قالت في الخامسة: غَضِبَ الله عليها إن كان صادقاً فيما رماها من الزنا.
فلما انتهت الأَيْمَان قال لهما الشرع الكريم: أنت مُصَدَّق، وأنتِ مُصَدَّقَة، ليس عليكَ أنْتَ قَذْفُ مُحْصَنَة، وليس عليكِ أنتِ حد الزنا، فصارت المرأة لا شيء عليها، والرجل لا شيء عليه، ونحن نَتَيَقَّن يقيناً جازماً أن باطن هذه القضية خراب!! لأنه لا بد أن واحداً منهما كاذب، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهُ أَعْلَمُ إِنَّ أَحَدَكُمَا
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في التفسير، باب: (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) حديث رقم: (4747) (8/ 449) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ومسلم في اللعان، حديث رقم: (1496) (2/ 1134) من حديث أنس رضي الله عنه مختصراً.
(¬2) أخرجه البخاري في التفسير، باب: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} حديث رقم: (4745) (8/ 448)، وانظر حديث رقم: (4746). ومسلم في اللعان. حديث رقم: (1492)، (2/ 1129) من حديث سهل بن سعد (رضي الله عنه). وقد جاء نحوه عن ابن عمر وابن عباس (رضي الله عنهما).

الصفحة 433