كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وتأتي متعدية ولازمة، فمن إتيانها متعدية قوله هنا: {هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ} [الأنعام: الآية 150] أي: أَحْضِرُوا شهداءكم وقَرِّبُوهم، ومن إتيانها لازمة قوله في الأحزاب: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: الآية 18] أي: اقربوا قريباً منا، ولم تكن هناك متعدية، والمعنى: أَحْضِرُوا شهداءكم الذين يشهدون لكم أن الله حرم هذا الذي ادعيتم أنه حرام.
ثم قال لِنَبِيِّه: فإن تجرءوا على الشهادة الكاذبة الباطلة -شهادة الزور على الله- فلا تشهد معهم؛ لأنهم كلهم كَذَبَة فَجَرَة مُتَعَاضِدُون على الكذب، يُصَدِّق بعضهم بعضاً في {فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ}.
ثم قال: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم أن النبي لا يتبع أهواء الذين كذبوا بآيات الله، هذا أمر لا شك فيه، كقوله: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} [الإنسان: الآية 24]. ومعلوم أنه لا يطيع آثماً ولا كفوراً، هذا معروف، فالله (جل وعلا) يخاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - مخاطبة السيد لعبده، ومراده بخطابه -في أشياء لا تقع منه - صلى الله عليه وسلم - أبداً- ليشرع على لسانه لأمته، كما بيناه مراراً (¬1). ومن أمثال العرب: (إياكِ أعني واسمعي يا جارة) (¬2) معناها: إياكِ أعْنِي، والمقصود عندي هي جارتك الأخرى، وهذا مَثَل مَعْرُوفٌ، وقد قَدَّمْنَا في هذه الدروس مراراً أن أصل هذا المثل من أبيات رَجَز لرجل من بني فزارة يُسمَّى: سهل بن مالك الفزاري، نزل في بيت حارثة بن لأْم الطائي المشهور فوجده غائباً،
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (90) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (114) من سورة الأنعام.

الصفحة 439