كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فأنزلته أخت حارثة وأكرمته، وأُعجب بجمالها، فخاطب داية (¬1) من داياتها لا أهمية فيها؛ لأنها من خَدَمِها، وقال لهذه التي هي من الدايات والخدم قال لها:
يَا أُخْتَ خَيْرِ الْبَدْوِ وَالحَضَارَهْ ... كَيْفَ تَرينَ فِي فَتَى فَزَارَهْ ...
أَصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَهْ ... إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ

ففهمت الطائية أنه يريد خِطَابها، فأجابته جوابها المعروف:
إِنِّي أَقُولُ يَا فَتَى فزَارَهْ ... لَا أَبْتَغِي الزَّوْجَ وَلَا الدّعَارَهْ ...
وَلَا فِرَاقَ أَهْلِ هَذِي الحَارَهْ ... فَارْحَلْ إِلَى أَهْلِكَ بِاسْتِحَارَهْ

ومن هنا صار بيت الرجز هذا مثلاً عند العرب (إياكِ أعني واسمعي يا جارة) (¬2).
[21/أ] والمعنى: إنك تخاطب واحداً ومقصودك/أن تُفْهِم ذلك الآخر. فالله يخاطب النبي ومقصوده إسماع أمته والتشريع لهم، والدليل القاطع على هذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات أبواه وهو صغير؛ لأن أباه مات وهو حَمْل في بطن أمه، وأمه ماتت وهو صغير، ومعلوم أنهما وقت نزول سورة بني إسرائيل ماتا منذ سنين كثيرة، والله يقول للنبي مخاطباً له ببر الوالدين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} ثم قال مخاطباً للرسول: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: الآيتان
¬_________
(¬1) الداية: المرضع الأجنبية والحاضنة والقابلة (المعجم الوسيط مادة: دوى) (1/ 306).
(¬2) راجع ما تقدم في الحاشية قبل السابقة.

الصفحة 440