كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الرعد؛ لأن الله (جل وعلا) لما بَيَّنَ في سورة الرعد -في أولها- عظمته، وبراهين كماله وقدرته، وأنه المعبود وحده، وأبطل فيها أدلة الطبائعيين إبطالاً كليّاً لا شبهة فيه، حيث قال في السورة- في أولها: {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (1) اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ} -وفي القراءة الأخرى-: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} (¬1) {صِنْوَانٍ وَغَيْرِ صِنْوَانٍ} - وفي الأخرى: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} (¬2) {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} - وفي الأخرى -: {يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} (¬3)
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أتبع هذا بقوله: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} -في البعث-: {أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هذا تعجُّب منكري البعث من البعث الذي هو خلق جديد، ثم قال مُخْبِراً عن هؤلاء الذين شَكّوا في البعث وأنكروه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ} [الرعد: الآيات 1 - 5]، والعياذ بالله، فهؤلاء جمعوا بين التكذيب بالقرآن والتكذيب بالبعث. ثم قال جل وعلا: {وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (99) من سورة الأنعام.
(¬2) انظر: المبسوط لابن مهران ص251.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (99) من سورة الأنعام ..

الصفحة 443