كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

تعال؛ أي: ارتفع حتى تحضر عندي، هذا أصلها، إلا أن العرب توسعت فيها فصارت تطلق (تعال) على: احضر عندي. ولو كان الآمر أسفل والمأمور أعلى، فيقول الرجل في الأرض لمن على السطح: تعال عندي، وهو في الحقيقة: تَسَافَلْ إليّ، إلا أن العرب صارت تطلق (تعال) بمعنى: احضر، من غير نظر إلى أصل العلو والسفل (¬1). فمعنى {قُلْ تَعَالَوْاْ} احضروا عندي، وادنوا مني، واقربوا مني {أَتْلُ} عليكم {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}.
{أَتْلُ} معناه: أقْرَأُ وأَقُصّ، والمضارع مجزوم في جواب الأمر، وعلماء العربية يقولون: إن المضارع المجزوم في جواب الأمر أنه في الحقيقة مجزوم بشرط مقدر دَلَّ عليه الأمر، وتقديره: إن تَتَعالوا (¬2)، أي: إن تحضروا عندي أتل عليكم ما حَرَّم ربكم. و (أتل) معناه: أقرأ وأقص. وأصل (التلاوة) من (تلاه يتلوه) إذا تَبِعَهُ؛ لأن (التلاوة) مصدر سيال لا تحصل إلا من حرف يتلوه حرف، يتلوه حرف، يتلوه حرف، وهكذا. فأصلها من: (تلاه يتلوه) إذا تَبِعَهُ، والعرب تسمي التابع: تالياً، والمتبوع: متلوّاً. والتِّبَاعَةَ تلاوة، ومنه سموا الجمل: تالياً؛ لأنه يتبع النوق فيشمها ليعرف منها المستعدة للقاح واللاقح كما هو معروف (¬3). ومنه قول غيلان ذي الرمة (¬4):
إِذَا الجَافِرُ التَّالِي تَنَاسَيْنَ عَهْدَهُ ... وَعَارَضْنَ أَنْفَاسَ الرِّيَاحِ الجَنَائِبِ
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 131)، المصباح المنير (مادة: علو) ص (162).
(¬2) مضى عند تفسير الآية (69) من سورة البقرة.
(¬3) انظر: المفردات (مادة: تلا) (167)، القاموس (1634).
(¬4) البيت في ديوانه ص (96). وفيه: «وصله» بدلاً من: «عهده».

الصفحة 447