كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

أصل (التلاوة) مصدر سيال؛ لأنها من مقاطع حروف يتلو بعضها بعضاً.
والمصادر قسمان: مصدر سيال، ومصدر غير سيال. فالمصدر الذي ليس بسيال هو الذي يحصل بأدنى مرة؛ كالضرب، فإنك لو ضربت شيئاً بشيء مرة واحدة حَصَلَتْ ماهية الضرب، فالضرب مصدر غير سيال، بخلاف التلاوة والكلام، فلو نطقت بحرف واحد لم تحصل التلاوة؛ لأنها مصدر سيال لا بد مِنْ بَعْض يتبع بعضاً حتى يتم معنى المصدر.
قوله: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} (ما) هنا: موصولة، وهي على التحقيق في محَلّ المفعول مفعول (أتل)، معناه: أقرأ وأقص عليكم الذي حَرَّمَهُ ربكم عليكم، وقيل: إنها استفهامية مُعَلَّقة للفعل، وهو ضعيف؛ لأن المعروف في علم العربية أن الاستفهام إنما يعلق أفعال القلوب، والتلاوة ليست من أفعال القلوب، فالتحقيق أن (ما) موصولة، وأنها في محل المفعول؛ أي: تعالوا أقرأ وأقص عليكم الذي حَرَّمَ رَبّكم عليكم (¬1).
والتحريم في لغة العرب معناه: المنع، وهو يطلق في الشرع وفي اللغة؛ يطلق في الشرع على ما حرمه الله؛ أي: منعه على لسان نبيه، وتوعد مرتكبه بالعقاب (¬2)، ويطلق في اللغة على مَنْعِ الشيء، فكل شيء منعته بالقوة
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 131)، البحر المحيط (4/ 249)، الدر المصون (5/ 213).
(¬2) انظر: الكليات ص (400).

الصفحة 448