كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

هكذا قاله بعض العلماء، مَعَ أن غيره يقول: لم يثبت ترتيب النزول على هذا الوضع.
والحاصل أن هذه الآية من أعظم الآيات التي خاطب الله بها هذه الأمة؛ لأن الخطاب بها لخصوص المسرفين على أنفسهم، لم يقل: «يا عبادي الذين آمنوا» بل قال: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} وهذا يستثنى منه الشرك، فإن الله لا يغفره، كما صرح به في قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: آية 48] فحقه في العبادة لا مسامحة فيه ولا مُهَاوَدة، ولا يقبل إشراك أحد معه فيه، وغير ذلك من الذّنُوب إنْ شَاءَ عفَاهُ عن صاحبه، وإن شاء أخذه به، كما هو معلوم.
فعلينا أن نتأمل هذه الآيات، ونَحْذَر كل الحذر مِنْ أنْ نَصْرِفَ شَيْئاً من حقوق الله لأحد مِنْ خَلْقِهِ، بل نفرق بين حقوق الخالق وحقوق المخلوق، ونُفْرِد الخالق بحقوقه، ونُعطي المخلوقين حقوقهم، ومن حقوق الله التي غَلِطَ فيها كثير من عوام المسلمين فصرفها لغير مستحقها ودخل بذلك أمراً هائلاً عظيماً: هو أنه قَرَّرَ الله في كتابه في آيات واضحة: أن الإنسان إذا أنزل الله به الكروب والشدائد التي لا يقدر على رَفْعِهَا

الصفحة 454