كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بالوحي ونور بصيرته بالقرآن، كان إذا نزلت به الشدائد والكروب عرف مَنْ صاحب هذا الحق، وصَرَفَ هَذا الحق لمن هو له؛ ولذلك لما نَزَلَتْ به أعظم كُرْبَةٍ يَوْم بدر، وكانت معه طائفة قليلة من المسلمين، كما قال الله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: آية 123] ولو قُتلت تلك الطائفة لم يُعْبَدِ الله في الأرض قَطّ، كما صَرَّحَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة: «اللهُمَّ إن تَهْلِك هذه الطَّائِفة فإنك لن تُعْبَدَ في الأرْضِ» (¬1)
والمشركون في قوة عَدَدِهِمْ وعُددهم، وهذا أعظم الكرب، ولا يَقْدِر على كشفه إلا الله، وهو - صلى الله عليه وسلم - على وَعْدٍ من الله أن يُعْطِيَهُ إحدى الطائفتين {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: آية 7] وهو يَتَضَرَّع إلى الله: «رَبّ أنجِزْ مَا وعَدْتَنِي، رب أنجِزْ مَا وعدْتَنِي» حتى يسقط رداؤه عن ظهره، فيأتي أبو بكر رضي الله عنه، ويجعل الرداء على ظهره ويقول: حسبك، فإن ربك لن يخلفك، وأنزل الله في هذا -كَما ثبت في الصحيح-: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} (¬2) [الأنفال: آية 9].
فعلينا -معاشر المؤمنين- أن نعلم حقوق خالقنا، وأن نكون لمحبة رسولنا وتعظيمه - صلى الله عليه وسلم - واتباعه نقر عينه بإفراد خالق السماوات والأرض بحقوقه (جل وعلا)؛ فإن الشيطان يدخل لبني آدم من طرق خَفِيَّةٍ، فإذا قيل للجهلة: هذا حق خالص لله كخلقه
¬_________
(¬1) سيأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله ..
(¬2) البخاري في الجهاد، باب ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقميص في الحرب، حديث رقم: (2915)، (6/ 99)، وأخرجه في مواضع أُخرى، انظر الأحاديث: (3953، 4875، 4877).

الصفحة 456