كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

للسماوات والأرض وخلقه للبحار، وسيد الخلق كان يصرف هذا الحق لله، فنحن -اتباعاً له - صلى الله عليه وسلم - ومحبَّةً وتَعْظِيماً- نَصْرِفُ هذَا الحق لمن هو له، كما كان - صلى الله عليه وسلم - يصرفه فالشيطان يُردِيْه هذا الإخلاص لله، ويعلم أنه إقرار لعين الرسول، ومرضاة لله، وتعظيم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومحبة له واتباع، وهذا يغيظ الشيطان ويبغضه، فيقول: من يقول لك هذا فهو من الذين لا يعظمون الرسول ولا الصالحين، ويمنعونك من أن تصرف لهم هذه الحقوق، هذه فلسفة شيطانية، والقرآن يبيّن أن هذا الحق من خصوص الربوبية حق خالص لله، والرسل يصرفونه لله، فنحن إنما علينا -لمحبة الرسل وتعظيمهم- الاقتداء بهم، وأن نُخْلِصَ لله حَقَّهُ كما كانوا يخلصونه له، والكفار -مع جهلهم- صرحت عنهم الآيات التي لا تكاد تُحْصَى في المصحف أنهم كانوا يعرفون هذا، فإذا نَزَلَتْ بهم الكروب والشدائد العظام صَرَفُوا الحق في ذلك الوقت لمستحقِّه تَماماً، فإذا أمِنوا رجعوا يصرفونه لغيره! والآيات في المصحف الدالَّة على هذا لا تكاد أن تحصيها {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} يعني: إذا ركبوا في السفن، واضطربت عليهم أمواج البحر ورَأوُا الكروب وخافوا الموت دعوا الله مخلصين له الدين {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: آية 65]، ويصرفون الحَقَّ لغير من هو له {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: آية 32]، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً (67) أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ
تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى

الصفحة 457