كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً (69)} [الإسراء: الآيات 67 - 69] {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ المَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: يصرفون الحق لغير صاحبه، {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم} [يونس: الآيتان 22، 23]، والآيات بمثل هذا لا تحصى في المصحف، وقد قَدَّمْنَا مراراً (¬1) أن المعروف في التاريخ أن سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل (رضي الله عنه) أنه كان شديد العداوة في الجاهلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مِنَ الجماعة الذين جاءوا من وراء الصحابة يوم أُحد -لما تركوا المركز في سفح الجبل، وبقي أميرهم عبد الله بن جبير وطائفة حتى قُتِلُوا- هو وصفوان بن أمية في الجماعة الذين جاءوا من وراء ظهور المسلمين حتى دارت رَحَى الحرب على المسلمين، وجرح النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشُجَّ حتى غاصت فيه حِلَق المغفر، وكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ، وشُقَّت شفته، ومُثِّل بعمه وابن عمته، وقُتل سبعون من خيار الأنصار، وكذلك هو يوم فتح مكة من أشد الناس [حماسة] للقتال (¬2)؛ ولذلك قال حِمَاس بن قيس الذي كان يقول لامرأته: سأجعل لك خدماً من نساء محمد، وإذا جئتك هارباً فأَغْلِقِي الباب دوني، فجاء هارباً يوم فتح مكة! فقالت له: أين ما كنت تقول؟ فقال رجزه المشهور (¬3):
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (40 - 41) من سورة الأنعام.
(¬2) في الأصل: «عداوة» وهو سبق لسان.
(¬3) الأبيات في السيرة لابن هشام ص (1250)، معجم البلدان (2/ 393). وقد وقع هنا في الأبيات الثلاثة بعد الأول شيء من التقديم والتأخير، والذي في المصدرين السابقين.

وأبو يزيد قائم كالمؤتمه ... واستقبلتهم بالسيوف المسلمه ...
يقطعن كل ساعد وجمجمه ... ضرباً فلا يسمع إلا غمغمه ...
لهم نَهِيتٌ خلفنا وهمهمه ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

الصفحة 458