كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وقوله جل وعلا: {أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} هذه الآية الكريمة من سورة الأنعام فيها إشكال معروف مشهور، وأجوبة العلماء عنه معروفة مذكورة مشهورة.
اعلموا أولاً: أن قوله هنا: {شَيْئاً} فيه وجهان من الإعراب (¬1):
أحدهما: أنه ما ناب عن المصدر فهو مفعول مطلق في المعنى؛ أي: لا تشركوا بالله شيئًا من الإشراك، أي: لا إشراكاً صغيراً كالرياء، ولا إشراكاً كبيراً، فعليه يكون اسم (الشيء) واقعاً على الإشراك/ فيكون في معنى المصدر، [21/ب] ويُعرب ما ناب عن المطلق؛ أي: لا تشركوا بالله شيئاً؛ أي: لا تشركوا به إشراكاً؛ أي: شيئاً من الإشراك، قليلاً أو كثيراً.
الثاني: أنه مفعول به بـ {أَلَّا تُشْرِكُواْ} أي: لا تشركوا به شيئاً من الشركاء؛ لأن حقوقه الخالِصَة لا يُشْرَكُ معه فيها أحد كائناً ذلك الأحد من كان، سواء كان نبيّاً أو مَلَكاً أو غيرهما، وأكره ما يكره الأنبياء والملائكة أن يُشْرَكَ بالله غيره؛ كما قال تعالى: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ المَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: آية 80] وقد أمر الله سيد الخلق أن يصدع بذلك الأمر المؤسف العظيم (¬2) في آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
¬_________
(¬1) انظر: الدر المصون (5/ 218).
(¬2) أي: يصدع في بيان بطلانه، ويعلن منابذته، أي: الشرك.

الصفحة 460