كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

[آل عمران: آية 64] أي: مخلصون لله العبادة وحده، لا نتخذ غيره ربّاً، ولا نشرك به غيره.
أما محل السؤال والإشكال في الآية: فهو في لفظة (لا) لأنه يقول: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} فمعناه: أن هذا الذي يتلوه مُحَرَّم، وقوله: {أَلَّا تُشْرِكُواْ} عدم الشرك ليس بمحرم بل هو واجب حَتم {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} بر الوالدين ليس بمحرم، بل هو واجب حتم، فصار الإشكال في لفظة (لا) وهو إشكال معروف عند العلماء.
وللعلماء عنه أجوبة كثيرة (¬1): منها ما ذَكَرَهُ جماعة من العلماء أن مِنْ أسَالِيبِ اللغة العربية زيادة لفظ (لا) لتوكيد الكلام وتقويته إذا كانت القرينة تدل على أنها لا يُقصد بها نفي (¬2)، وزيادة لفظة (لا) لتوكيد الكلام وتقويته أجمعَ عليها جميع علماء العربية في الكلام الذي فيه معنى الجحد -أعني الكلام المُشم برائحة النفي- لا خلاف في هذا بين العلماء، وهو كثير في القرآن، ومنه قوله: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه: الآيتان 92، 93] يعني: ما منعك أن تتبعني، وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: آية 12] أي: ما منعك أن تسجد. على أصح التفسيرين (¬3)، بدليل قوله في (ص): {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: آية 75]، {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: آية 29] أي: ليعلم أهل الكتاب، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: آية 65] أي: فوربك
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (12/ 215)، القرطبي (7/ 131)، البحر المحيط (4/ 249 - 250)، الدر المصون (5/ 213 - 218).
(¬2) راجع ما سبق عند تفسير الآية (109) من سورة الأنعام.
(¬3) انظر: فتح القدير (2/ 191).

الصفحة 461