كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وعلى هذا فلا إشكال، فـ (أَنْ) يُفَسِّر ما بعدها ما قبلها، وهي (أَنْ) التفسيرية كما هو معروف.
وقال بعض العلماء: قوله تعالى: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} انتهى الكلام. وقوله: {عَلَيْكُمْ} ابتداء كلام، و {عَلَيْكُمْ} اسم فعل، كما قال في الخلاصة (¬1):
والفعل من أَسْمَائِه عَلَيْكَا ...
والمعنى: عليكم ألا تشركوا بالله. {عَلَيْكُمْ}: الزموا واحتزموا، وعليكم ألا تشركوا بالله، وعليكم أن تُحسنوا بالوالدين إحساناً، وعليكم ألا تقتلوا أولادكم من إملاق ... إلى آخره.
وقال بعض العلماء -وهو ليس بوجيه-: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} أتلوه عليكم لئلا تشركوا بالله شيئاً.
وأظهر الأوجه وأحسنها: هو ما دل عليه القرآن؛ لأن خير ما يُفَسَّر به القرآن: القرآن أن معنى قوله: {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} أي: ما حَرَّمَهُ عليكم فعلاً وتركاً، وأن التحريم فعلاً وتركاً هنا مُضَمَّن معنى: {وَصَّاكُمْ بِهِ} (¬2) فكأنه يقول: أتلو ما وصاكم ربكم به تحريماً وإباحة، والدليل على هذا: أن الله لما علم أن في الآية شِبْه إجمال أوضحه في آخرها فقال: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فعرفنا أن ذلك التحريم هو معنى الوصية، فيكون معنى: {حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} أي: حرم عليكم فعلاً وتركاً؛ أي: وصاكم
¬_________
(¬1) الخلاصة ص 54، انظر: شرح الأشموني على الألفية (2/ 201).
(¬2) وهو اختيار ابن جرير. انظر جامع البيان (12/ 215)، وانظر: أضواء البيان (2/ 278).

الصفحة 464