كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بأن تفعلوه أو تتركوه، كما فسره بقوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ونظيره في كلام العرب قول الراجز (¬1):
حَجَّ وأوْصَى بِسُلَيْمَى الْأَعْبُدا ... أَنْ لا تَرَى ولا تُكَلِّم أَحَدَا
وَلاَ يَزَلْ شَرَابُها مُبرَّدا
وهذا معنى قوله: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} وأن تحسنوا بالوالدين إحساناً، جرت العادة في القرآن أن الله يقرن بِرَّ الوالدين بتوحيده (جل وعلا) في عباداته كقوله هنا: {أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء: آية 23] {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: آية 14] إلى غير ذلك من الآيات، ولا شك أن الله لم يجعل بِرَّ الوالدين مقروناً بتوحيده دائماً إلا لعظمة بر الوالدين، فإن بر الوالدين من أعظم الحسنات والقُرُبَاتِ عند الله، وعقوق الوالدين من أخْبَثِ الخبائث وأكبر الذنوب، فعلينا معاشر المسلمين أنَّ مَنْ كَانَ عنده إما والد أو والدة أن يتحمل أذاه ويبره ويحسن إليه، ويسارع في مرضاته الأيام القليلة من الدنيا، حتى يموت وهو عنه راض. واعلموا أن من أعطاه الله شائباً أو شائبة أباً أو أمّاً، فكأنه أعطاه وسيلة الجنة سهلة، ومن قَصَّر فيها فهو مُفَرِّط مُضَيِّع، مع أن عقوق الوالدين مع ما فيه من إسخاط الله وإغضاب خالق السماوات والأرض وسبب دخول النار، وفيه أيضاً القُبْح وعدم الإنسانية وخساسة فاعله.
فعلينا معاشر المسلمين أن نفهم هذا، وأن نعلم أن ربنا يجعل
¬_________
(¬1) وهو في ابن جرير (12/ 216).

الصفحة 465