كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بر الوالدين دائماً مع توحيده ومن كان منا عنده والد أو والدة فَلْيَسْعَ كل السعي في أن يبره، ولْيَعْلَم أن الكبير لا يتحمل على أذاه إلا من عنده تقوى؛ لأنه إذا شاب وكبرت سنه كان لا يُتَحَمَّل؛ لأنه يكثر سؤاله عن الأشياء التي لا تعنيه، وتكثر أغراضه فيما لا تعنيه، وهذا يستلزم صبراً، فعلى الولد أن يَتَحَمَّلَ، ويُثَابِر على أن يفتيه في كل ما سأل مما لا يعنيه، ويصبر على جميع أذاه، ويحسن إليه، ويبرّه حتى يَمُوت وهو عنه راضٍ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءت عنه الأحاديث التي لا تُحْصَى في الترغيب في بر الوالدين واسْتِجْلَابِهِ الجنة، والترهيب من عقوق الوالدين، وما فيه من العقوبات، ونحن لا نحتاج أن نُنَوِّه بشيء من هذا بعد أن نرى خالق السماوات والأرض يجعل بر الوالدين مقروناً بتوحيده في عبادته جل وعلا.
فعلينا جميعاً معاشر المسلمين أن نعتبر بهذا، وأن نبر أمهاتنا وآباءنا، ونصبر على أذاهما، ولا نُغلظ لهما القول، ولا نمنعهما من شيء يحبانه، بل نسارع في مرضاتهما بحسب الإمكان، ويكفيكم على هذا دليلاً هو نص القرآن العظيم على أن الوالد يبره ولده وإن كان الوالد كافراً؛ لأن آية العنكبوت نزلت في أُميمة والدة سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه وأرضاه) (¬1)، فإنه لما أسلم حلفت أمه أُميمة أن لا تأكل، ولا تشرب، ولا تدخل الظل حتى يرجع عن دين الإسلام، فَمَكَثَتْ في الشمس ما شاء الله حتى خَرَّت مغشيّاً عليها، وجاءوه وقالوا له: أمك ستموت! فجاءها ثم قال لها: والله لو كانت
¬_________
(¬1) أمه هي حمنة بنت سفيان بن أُمية بن عبد شمس. انظر: الآحاد والمثاني (1/ 166)، (مختصر تاريخ دمشق لابن منظور) (9/ 253)، السير (1/ 96)، فتح الباري (7/ 84). وفي الآحاد والمثاني: «حمنة بنت أسد».

الصفحة 466