كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فالدليلُ على جوازِها عَقْلاً في دارِ الدنيا: أن نَبِيَّ اللَّهِ موسى - وهو هو - قال: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: آية 143] فلو كانت رؤيةُ اللَّهِ مستحيلةً عَقْلاً في الدنيا لَمَا خَفِيَ ذلك على نَبِيِّهِ موسى؛ لأنه لا يجهلُ المستحيلَ في حَقِّ اللَّهِ.
أما بالنظرِ إلى الحكمِ الشرعيِّ: فهي جائزةٌ وواقعةٌ في الآخرةِ قَطْعًا، ممتنعةٌ في الدنيا. وهذا هو التحقيقُ، فَعُلِمَ من هذا التحقيقِ: أن رؤيةَ اللَّهِ بالأبصارِ وعيونِ الرؤوسِ جائزةٌ عَقْلاً في الدنيا والآخرةِ، جائزةٌ وواقعةٌ شَرْعًا في الآخرةِ، ممتنعةٌ شَرْعًا في الدنيا (¬1). فَاللَّهُ جل وعلا في دارِ الدنيا لاَ يُرَى بالأبصارِ فِعْلاً، وإن كان ذلك يجوزُ عَقْلاً، ولكنه في الآخرةِ يراه المؤمنونَ (جل وعلا)، هذا هو التحقيقُ.
ومذهبُ أهلِ السنةِ والجماعةِ الذي دَلَّتْ عليه آياتُ القرآنِ والأحاديثُ الصحيحةُ المتواترةُ أن رؤيةَ اللَّهِ واقعةٌ شَرْعًا، يراه المؤمنونَ يومَ القيامةِ بأبصارِهم، كَمَا جَاءَ عن حوالي عشرين صَحَابِيًّا في أحاديثَ متواترةٍ (¬2): أن المؤمنين يرونَ رَبَّهُمْ يومَ القيامةِ. وقد نَصَّ اللَّهُ على ذلك في آياتٍ من كتابِه (3)، كقولِه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: الآيتان 22، 23]، وكقولِه (جل وعلا) في الكفارِ: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: آية 15]
¬_________
(¬1) انظر: مختصر الصواعق، ص 179.
(¬2) انظر: كتاب الرؤية للدارقطني، الشريعة للآجري 253 فما بعدها، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اللالكائي (3/ 470) فما بعدها, شرح الطحاوية ص215، 217، وقد ساق ابن القيم (رحمه الله) أحاديث الرؤية عن سبعة وعشرين صحابيًّا. انظر: حادي الأرواح ص 205 فما بعدها.

الصفحة 47