كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الكلام؛ لأن الإنسان يعطي باللسان ما ليس عنده في قلبه في الحقيقة.
والمشهور الذي عليه جمهور المفسرين وعلماء اللغة: أن (الإملاق) هنا هو الفقر (¬1)، وكان العرب يئدون بناتهم خوف أن يفتقروا فتجوع بناتهم؛ لأن جوع بناتهم قد يسبب لهن أن يزوجوهن من غير الأكفاء، وأن يقعن في معرات لا تليق، وقد يخافون عليهن من السبي، فكانوا يقتلوهن لهذا السبب!! يقولون: إذا جاعت ابنته اضطرت إلى أن تتزوج غير كفء، وكانوا يتشددون في مصاهرة غير الأكفاء، ويقتلون البنات خوفاً من هذا، وإذا خاف الرجل أن يفتقر وتبقى ابنته في جوع وبؤس، فإنها إذا كانت في جوع وبؤس قد تضطر إلى أن تتزوج غنيّاً ليس بكفء لها فيئدونهن.
وقد ذكرنا مراراً أن عقيل بن عُلَّفة المري لما خُطِبَت عنده ابنته الجرباء أنشد رجزه المشهور (¬2):
إنِّي وَإِنْ سِيقَ إلَيَّ المَهْرُ ... عَبْدٌ وَأَلْفَانِ وَذَوْدٌ عَشْرُ
أَحَبُّ أَصْهَارِي إِليَّ الْقَبْرُ

وكانوا يقولون: إِنَّ الزَّوْجَ الذي يسترها ويكفي عارها تماماً إنما هو القبر، كما قال الشاعر وعنده ابنة تُسمى مودة (¬3):
مودَّةُ تهوى عُمْرَ شيخٍ يسرُّه ... لها الموتُ قَبْلَ اللَّيْلِ لوْ أنَّها تَدْرِي
¬_________
(¬1) انظر ابن جرير (12/ 217)، القرطبي (7/ 132)، الدر المصون (5/ 218)، أضواء البيان (2/ 278).
(¬2) مضى عند تفسير الآية (49) من سورة البقرة.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (49) من سورة البقرة.

الصفحة 470