كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

يَخَافُ عليْهَا جَفْوَةَ النَّاسِ بَعْدَهُ ... وَلَا خَتَن يُرْجَى أَوَدّ مِنَ الْقَبْرِ

والخَتَن في اللغة: زوج البنت (¬1).
يعني: لا زوج للبنت يُرجى أرجى من القبر؛ لأنه يستر عارها، ويمنعها من تزويج غير الأكفاء، ومن الإهانات على زعمهم الفاسد.
ولما كان صخر أخو الخنساء كل عام يُقاسم الخنساء ماله، ويجعله شطرين، ويعطيها الشطر الأوفى، وقالت له امرأته: تقاسم مالك كل سنة مع الخنساء وزوجها مِتْلاَف سفيه يُضيع مالك، أنشد راجزاً (¬2):
وَكَيْفَ لَا أَمْنَحُهَا خِيَارَهَا ... وَهْيَ حَصَانٌ قَدْ كَفَتْنِي عَارَهَا ...
ولو هلكتُ لَبِسَتْ إزارها

فعندهم الشهامة العربية والغيرة الكاملة على الحريم، إلا أن كل شيء إذا زاد عن قدره صار بلاء وخسيساً، فالأمور ينبغي أن لا تُزَادَ وَلَا تنقص عن حدودها.
فلا تَغْلُ في شيء من الأمر واقتصِد ... كِلاَ طَرفي قَصْدِ الأمورِ ذميم (¬3)

فالغلو في الغيرة جرَّهُم إلى أن دفنوا بناتهم خوف أن يجوعوا وتجوع البنات فَيَضْطَرِرْنَ بذلك إلى الوقوع فيما لا ينبغي، أو إلى
¬_________
(¬1) انظر: المصباح المنير (مادة: ختن) ص (63).
(¬2) في الشعر والشعراء ص (220) هكذا:
والله لا أُمْنَحُها شرارَها ... ولو هَلَكتُ مَزَّقَتْ خِمَارَهَا ...
وجَعَلَت من شَعَر صِدَارَها

وفي الإصابة (4/ 289):
والله لا أمنحُها شِرَارَهَا ... وهي التي أَرْخَص عنى عارها ...

ولو هلكتُ خرقَت خِمارَها ... واتَّخَذت من شَعَر صِدَارَهَا
(¬3) البيت لمحمد بن مسلمة، وهو في الخزانة (1/ 281).

الصفحة 471