كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الزواج من غير الأكفاء، هكذا زعمهم الفاسد! وقد صح عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أي الذنب أعظم؟ قال: «أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ» قيل: ثم أي؟ قال: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قال: ثم أي؟ قال: «أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» (¬1). وهذا مأخوذ من قوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} فالحديث كأنه مطابق لآية الفرقان، ثم إن الله قال هنا: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} كأنه يقول لهم: يا سفهاء العقول، يا مجانين، تقتلون أفلاذ أكبادكم خوفاً من الفقر؟! فرزقهم علينا، نحن نرزقكم ونرزقهم، ورزق الجميع علينا، قال هنا: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} لأنهم فقراء في الحين حيث قال: {مِّنْ إمْلاَقٍ} أي: من فقر واقع، وقال هناك لما أرادوا أن يقتلوهم من خشية فقر مستقبل: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ} بدأ بالأولاد {وَإِيَّاكُم} [الإسراء: الآية 31].
وهذه الآيات تدل على أن الإنسان لا ينبغي له أن يستثقل كثرة أولاده خوفاً من الجوع والفقر؛ لأن خالق السماوات والأرض يرزق الجميع، وهذه من أوضح الآيات على أن ما يَتَلَاعَب به الشيطان على المتسمين باسم الإسلام مما يسمونه (تحديد النسل) وأن يمتنعوا من أن تكثر أولادهم، أن هذا جهل واقتفاء -في الجملة- للجاهلية
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في التفسير، باب قول الله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} حديث رقم: (4477)، (8/ 163)، وأخرجه في مواضع أخرى، انظر الأحاديث رقم: (4761، 6001، 6811، 6861، 7520، 7532)، ومسلم في الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب، وبيان أعظمها بعده، حديث رقم: (86)، (1/ 90).

الصفحة 472