كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الذين يقتلونهم؛ وذلك لأنهم مشتركون في العلة، والعلة قد تُعَمَّم معلولها؛ لأن الله صرح بأن الجاهلية إنما قتلوهم من خشية الإملاق، وهؤلاء يريدون من تقليل عددهم من خشية الإملاق، فالعلة هي العلة، وكأن قوله: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} لم يطرق أسماعهم -أبداً- ضمان خالق السماوات والأرض لأرزاق الجميع، كأنهم لم يسمعوه، وكأنهم في جاهلية جهلاء، وظُلمة ظلْمَاء؛ لأن الله ضامن رزق الجميع، وكلما كثر النسل، وكثرت الأيدي العاملة كثر الإنتاج، وكثرت خيرات الله وأرزاقه؛ لأن الله ينزل رزقه بعدد خلقه، وصرح بهذا وهو لا يخلف الميعاد {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} فهذه الآيات تدل على أن القائلين بتحديد النسل أنهم شاركوا الكفار في العلة، وإن لم يشاركوهم في الحكم، والعلة تكون واحدة وتكون لها أحكام متعددة، كما تقرر في الأصول (¬1)،
فالسرقة علة واحدة، وقد تتعدد أحكامها؛ لأن من أحكامها ما هو قطع اليد، ومن أحكامها ما هو غُرْم المال -عند من يقول بِغُرْم المال- فعلة الجميع واحدة، وهي خوف الفقر وضيق المعاش، هذه هي علة الكفار التي قَتَلُوا مِنْ أجْلِهَا أوْلَادَهُمْ، وعلة التابعين لأذناب الإفرنج في تقليلهم عددهم وعُددهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ» (¬2)
¬_________
(¬1) انظر: نثر الورود (2/ 473) ..
(¬2) أخرجه أحمد (3/ 158، 245)، وابن حبان (الإحسان 6/ 134)، والبيهقي (7/ 81) من حديث أنس (رضي الله عنه)، وأبو داود في النكاح، باب النهي عن تزويج مَنْ لَمْ يلد من النساء، حديث رقم: (2035) (6/ 47)، والنسائي في النكاح، باب كراهية تزويج العقيم (6/ 65)، حديث رقم: (3227)، والحاكم (2/ 162)، والبيهقي (7/ 81)، والطبراني في الأوسط (5742). وانظر: صحيح النسائي (2/ 680)، صحيح أبي داود (2/ 386) آداب الزفاف (89، 132)، إرواء الغليل (6/ 195)، المشكاة (3091).

الصفحة 473