كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

والكثرة خَيْرٌ مِنَ القلة، والله (جل وعلا) بارئ لكل ذي نسمة شق فاها بارئ لها رزقها كما صَرَّحَ بقوله: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [هود: آية 6] فهؤلاء شاركوهم في العلة وخالفوهم في الحكم، مع أن هناك بعض المقاربة.
فعلينا معاشر المؤمنين أن نعلم أولًا أن كُلَّ ما أراد الله أن يخلقه من النسمات لا بد أن يخلقه، ولو حاول الخلق ما حاول من تقليل النسل، ثم إن كل نَسَمَة خلقها الله فهو رازِقُها إلى أن تموت، وإلى أن تستكمل رزقها، وأن دَعْوَى تَحْدِيد النسل خوف الفقر أنها أذهان الكفار وأقوال الكفار وعقول الكفار التي لم تستضئ بضوء القرآن العظيم؛ لأن الله يقول يفند هذا الرأي: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: آية 151] {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} [الإسراء: آية 31]، فلا تضق أذهانكم يعني من الرزق، فالرزق عندنا كثير، ونحن سنرزق الجميع من خزائن رزقنا، ولذا لما أراد المنافقون أن يحاصروا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حصاراً اقتصاديّاً وقالوا: {لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} قال الله: {وَلِلهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المنافقون: آية 7] أي: ومن كانت عنده خزائن السماوات والأرض لا يُضَيِّقُ رزق أحد شاء أن يرزقه، وهذا معنى قوله: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}.

الصفحة 474