كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

والرزق عند الجمهور: هو ما رزقه الله للإنسان، سواء كان حلالاً أو حراماً (¬1). فالله يرزق الإنسان بالحلال الطيب الهنيء، ويرزقه بالحرام، ثم يؤاخذه عليه، خلافاً للمعتزلة القائلين: إِنَّ الرزق من الله إنما هو الحلال، وإن الحرام لا يُسمى رزقاً؛ لأن العبد أخذه بمشيئته لا بمشيئة الله، كما كنا نقرر ونوضح، وبَحْثُ المتكلمين في الرزق هل يختص بالحلال أو الحلال والحرام معروف ومن يخصه بالحلال فهو مبني على مذهب الاعتزال؛ لأن الله (تبارك وتعالى) كما يشاء من العباد أن يقعوا في المعاصي وتذهب إرادتهم ومشيئتهم إلى المعاصي، كذلك إلى أن يرتزقوا بالحرام فذلك بمشيئته وجّه قدرتهم ومشيئتهم إليه، وهو مؤاخذهم عليه بأعمالهم، وكل مُيَسَّر لما خُلق له. وهذا معنى قوله: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} هذا من وصية محمد - صلى الله عليه وسلم - التي لم يُفك عنها خاتمه هي هي كما أُنزلت مما أوصى به - صلى الله عليه وسلم - مبلغاً تلك الوصية عن الله نهي جميع الخلائق عن أن يقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَلاَ تَقْرَبُواْ} فيه سر عظيم، وتعليم كبير؛ لأنه لم يقل: وَلَا تفعلوا الفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ لم ينه عن فعلها فحسب، بل نهى عن قربانها؛ لأن من قرب من الشيء قد يقع فيه، والراتع حول الحِمَى يوشك أن يقع فيه، فبيَّن في هذه الآية أن الفواحش -وسَنُبَيِّن معناها- أن الإنسان مَنْهِيٌّ عن أن يقربها؛ لأن
¬_________
(¬1) انظر: مجموع الفتاوى (8/ 132، 541 - 546).

الصفحة 475