كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

لا عقوقهما بالتسبب في ذمِّهِما، وقد ثبت في الحديث المتفق عليه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّ مِنَ العقوق شَتْمَ الرجل والِدَيْهِ». قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: «نعم، يَسُبّ أبَا الرَّجُلِ فيسبّ أبَاهُ، ويسبّ أمه فيسُبّ أمَّهُ» (¬1) فهذا حديث صحيح لا مطعن فيه، صرح فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ذريعة السب: الشتم، وسب الوالدين حرام، فالذريعة إليه حرام، ومن أمثلة هذا النوع من الذريعة التي يجب سدها بالإجماع: أن يحفر الرجل بئراً في طريق المسلمين ويغطي وجهه بغطاء ليتردى فيه المار، فنفس حفر البئر ليس هلاكاً لمسلم ولا لماله، ولكنه ذريعة للترَدِّي الذي فيه الإهلاك.
فهذا النوع من الذريعة يجب سَدّه بإِجْمَاع المسلمين؛ لأنه يؤدي إلى محذور تأْدِيَة معلومة أو غالبة على الظن، فهذا يجب سَدّه؛ لأن الراتع حول الحمى يُوشِكُ أن يقع فيه، ومنه: القرب من أسباب الذنوب، فإنه يكون ذريعة للوقوع فيها.
أما الذريعة التي أجمع العلماء على أنها لا يجب سدها، وأنها تُلغى وتُهدر: هي أن تكون الذريعة إلى المفسدة تُعارضها مصلحة عظمى أكبر منها، فإن المصالح العظام الكبار تُقدم على المفاسد الصغيرة، وتحرير هذا المقام: أنه إن تعارضت مفسدة أو مصلحة، فإن كانت المفسدة أكبر حُرِّم الفعل إجماعاً؛ لأن مفسدة سب الله أكبر من مصلحة سب الأصنام، وإن كانتا متساويتين وجب إلغاء المصلحة إجماعاً، أما إن كانت المصلحة راجِحَة هي أكبر وأرجح، والمفسدة صغيرة مرجوحة، ففي هذا تُلغى المفسدة، ويُلغَى سَدّ الذَّرِيعَة إليها؛
¬_________
(¬1) تقدم تخريجه عند تفسير الآية (108) من سورة الأنعام.

الصفحة 477