كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

لأن الرجل يمر من الطريق فتلقي إليه المرأة من الطاقة ورقة فيها موعد يجتمعان فيه، أو يعلو إلى السطح وهي على سطح فيتسايران، كما قال نصر بن حجاج السلمي (¬1):
لَيْتَني في المُؤَذِّنِينَ نَهَارَا ... إِنَّهُمْ يَنْظُرُونَ مَنْ فِي السُّطُوحِِ ...
فَيُشِيرُونَ أَوْ يُشَارُ إِلَيْهِمْ ... حَبَّذَا كُلُّ ذَاتِ دَلٍّ مَلِيحِ
فهذا قد يقع منه الوصول إلى الزنا من بعض الأفراد، إلا أن هذه المفسدة التي تنشأ من اجتماع الرجال والنساء في البلد الواحد قد تنشأ من أفراد قليلة، وهي مغمورة في المصلحة العامة بمعاونة الجنسين التعاون الكريم كما بَيَّنَّا؛ ولهذا لم يَقُلْ أحَدٌ من العلماء في جميع الدَّهْرِ: إنه يجب سد هذه الذريعة، فَيَجِبُ أن يُعْزَل جميع الإناث من القرية، وأن يُعْزَلَ جميع الذكور إلى جهة، وأن يكون جميع الإناث في حصن من الحديد عليه أبواب حديد قوية وأسلاك شائكة، لا يستطيع أحد خَرْقَهَا، وتكون المفاتيح في يد رجل شائب ذي زوجات معروف بالتقى والعفاف، لم يقل هذا أحد من العلماء! فهذه الذريعة أُلْغِيَتْ لهذه المصلحة التي هي أعظم منها.
أما الذَّرِيعة الوسطى التي اختلف فيها العلماء: فَكَبيوع الآجال المعْرُوفَة في عرف أصحاب مذهب مالك ببيوع الآجال، ويسميها الشافعيون والحنبليون: (بيوع العينة) فإن العلماء اختلفوا فيها (¬2)، كأَنْ تَبِيعَ سلعة بعينها لرجل إلى أجل -كأن تبيع له السلعة بأجل إلى شَوَّال- ويكون الثمن عشرة مثلاً، ثم تشتري عين السلعة من ذلك
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (108) من هذه السورة.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (108) من سورة الأنعام.

الصفحة 479