كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

يُفْهَمُ من مفهومِ مخالفتِه: أن المؤمنين غيرُ مَحْجُوبِينَ عن رَبِّهِمْ، بل يَرَوْنَهُ (4)، وهو كذلك. وثبتَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه فَسَّرَ قولَه: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: «الْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ» (5).
هذا هو التحقيقُ في رؤيةِ اللَّهِ، أنها جائزةٌ في حكمِ العقلِ في الدنيا والآخرةِ، ممتنعةٌ في حكمِ الشرعِ في دارِ الدنيا، واقعةٌ في الآخرةِ.
ولطالبِ العلمِ هنا سؤالٌ، وهو أن يقولَ: إذا كانت جائزةً عَقْلاً في الدنيا فَمَا وَجْهُ مَنْعِهَا وعدمِ إمكانِها شَرْعًا؟
أجابَ بعضُ العلماءِ عن هذا السؤالِ: بأن الناسَ في دارِ الدنيا رُكِّبُوا تَرْكِيبًا ضَعِيفًا مُعَرَّضًا للتغيرِ والفناءِ والزوالِ، وهذا التركيبُ الضعيفُ المُعَرَّضُ للفناءِ والتغيرِ والزوالِ لا يَقْدِرُ ولا يستطيعُ ولا يَقْوَى على رؤيةِ خالقِ السماواتِ والأرضِ، والدليلُ على ذلك: أنه لَمَّا تَجَلَّى للجبلِ صارَ الجبلُ دَكًّا لِعِظَمِ رُؤْيَةِ اللَّهِ (جل وعلا)، كما يأتي في الأعرافِ في قولِه: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} [الأعراف: آية 143] فما يَدُكُّ الجبالَ

الصفحة 48