كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الرجل بدين وأجل مسمى إلى جمادى مثلاً، فإن السلعة الخارجة من اليد العائدة إليها ملغاة، فالسلعة رجعت ليد صاحبها، فكأنه آل الأمر أنه يأخذ عشرة في شوال، فإذا كان جمادى أخذ عشرين عن العشرة التي أخذ في شوال (¬1)، فهذا بالنظر إلى ما يؤول إليه عين الربا، وهو عشرة بعشرين مؤجلة، أما بالنظر إلى ذات العقدين فالعقد الأول عقد على سِلْعَة بِأَجَل دَيْن إلى أَجل مسمى، والعقد الثاني عقد أيضاً على سلعة بأجل إلى أجل مسمى، وكان الشافعي (رحمه الله) يجيز مثل هذا ويقول: إن هذا مباح؛ لأن كلا العقدين مباح في ذاته، وكان غيره يحرمه؛ سدّاً للذريعة؛ لئلا يقصد ببيع السلعة وشرائها أن تكون السلعة أداة لأن يأخذ عشرة ويأخذ بعدها عشرين، وكانت عائشة ترى أن هذا حرامًا، وكان زيد بن أرقم (رضي الله عنه) من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى -رأي الشافعي في هذا- أنه حلال، قالت عائشة لامرأته: قولي لزيد: إن لم يرجع عن هذا الربا فإنه يبطل جهاده مع رسول الله (¬2)،
وكان الشافعي (رضي الله عنه) يقول: اختلف زيد وعائشة، والقياس يؤيد قول زيد؛ لأن كلا العقدين سلعة بيعت بثمن إلى أجل معين. وغيرهم من العلماء -وهم الأكثر- يقولون: هذا قد يكون ذريعة إلى الربا فيجب سدها؛ لأن بيع السلعة
¬_________
(¬1) في المثال المذكور هنا شيء من الاضطراب، وقد ذكر الشيخ (رحمه الله) هذه المسألة عند تفسير الآية رقم (151) من سورة (الأنعام) ومثَّل لها بقوله: «كما لو باع إنسان سلعة إلى أجل معين بعشرة دراهم مثلاً، ثم اشتراها بثمن أكثر لأبعد من الأول، أو بثمن أقل من الثمن الأول بدون الأجل» اهـ. والعلماء مختلفون في تفسير العينة، والمشهور في معناها: أن يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها من المشتري قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر. انظر: نيل الأوطار (5/ 207)، القاموس الفقهي ص 270.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (108) من سورة الأنعام ..

الصفحة 480