كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

يَرَاهُ؟ وأن الحفظة الملائكة الكرام حاضرون معه، يُسَجِّلُون عليه ما فعل؟! فَعَلَى المسلم إذا خلا بالأمر، وسَوّلَ له الشيطان أن يفعل تلك الفاحشة؛ لأن الناس لا يرونه، وأنه لا يطّلع عليه أحد، كالذي يخلو بامرأة في محل مقفول، يأمن عيون الناس فيه، فيُخَوِّل له الشيطان الريبة معها، عليه أن ينظر أن الله رقيب عليه، وأن الملائكة الكرام معه {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7)} [الأعراف: آية 7]، وعلى الشخص أن يعبد الله كأنه يراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار: الآيات 10 - 12] فالذي يستحيي من البشر الضعاف الذين لا يقدرون أن يضروه، ولا يستحيي من خالق السماوات والأرض، فهو مجنون جاهل.
واعلموا أولاً أنَّا نذكر أشياء في ضوء آيات القرآن عامَّة، على سبيل النصيحة والإرشاد لعموم إخواننا المسلمين، في ضوء القرآن العظيم، من غير أن نقصد التعريض بشخص معين، ولا بجهة معينة.
وإذاً فإنَّا نعلم أن من الفواحش الباطنة أكل الرُّشَا، فهذا الإنسان الخسيس الذي يخاف أعين الناس، ثم يأخذ الرّشوة بحيث لا يراه أحد ظلماً وعدواناً، خيانة لولي أمر المسلمين، الذي ولاه المركز على أنه يكون ناصحاً في غاية النصح والنزاهة والأمانة، وخيانة لربه المطّلع عليه، حيث يستخفي من الناس ولا يستخفي من الله!
وعلى هذا فاعلموا أن الرشوة أقسام: منها ما يُرادُ بِهِ إبطال حق أو إحقاق باطل، كالذي يَدْفَعُ مالاً لمسئول بيده الأمر، ولّاه إياه ولي أمر المسلمين، ليُبطل له حقّاً أو يُحق له باطلاً، فهذا النوع من أخبث الرُّشَا وأخسّها، وصاحبه من أهل النار؛ لأنه أخذ هذا الأخذ الخسيس

الصفحة 484